فصل: تفسير الآيات (44- 51):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: التسهيل لعلوم التنزيل



.تفسير الآية رقم (43):

{خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ (43)}
{وَقَدْ كَانُواْ يُدْعَوْنَ إِلَى السجود وَهُمْ سَالِمُونَ} أي قد كانوا في الدنيا يُدعون إلى السجود فيمتنعون منه، وهم سالمون في أعضائهم قادرون عليه.

.تفسير الآية رقم (44):

{فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهَذَا الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ (44)}
{فَذَرْنِي وَمَن يُكَذِّبُ بهذا الحديث} تهديد للمكذبين بالقرآن، وإعراب من يكذب مفعول معه أو معطوف، وقد ذكرنا في [الأعراف: 182] سنستدرجهم وما بعده.

.تفسير الآية رقم (46):

{أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ (46)}
{أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْراً} معناه أنت لا تسألهم أجرة على الإسلام فتثقل عليهم، فلا عذر لهم في تركهم الإسلام، وقد فسرنا هذا وما بعده في [الطور: 40].

.تفسير الآيات (48- 49):

{فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ (48) لَوْلَا أَنْ تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ (49)}
{فاصبر} يقتضي مسالمة للكفار، نسخت بالسيف {وَلاَ تَكُن كَصَاحِبِ الحوت} هو يونس عليه السلام وسماه صاحب الحوت، لأن الحوت ابتلعه، وهو أيضاً ذو النون، والنون هو الحوت، وقد ذكرنا قصته في الأنبياء والصافات، فنهى الله محمداً صلى الله عليه وسلم أن يكون مثله في الضجر والاستجعال، حين ذهب مغاضباً، وروي أن هذه الآية نزلت لما همَّ النبي صلى الله عليه وسلم أن يدعو على الكفار {إِذْ نادى وَهُوَ مَكْظُومٌ} هذا آخر ما جرى ليونس ونداؤه هو قوله في بطن الحوت. لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت م الظالمين، والمكظوم الشديد الحزن {لَنُبِذَ بالعرآء وَهُوَ مَذْمُومٌ} هو جواب لولا، والمنفي هو الذم لا نبذه بالعراء، فإنه قد قال في الصافات {فَنَبَذْنَاهُ بالعرآء} [الصافات: 145] فالمعنى لولا رحمة الله لنبذ بالعراء وهو مذموم، لكنه نبذ هو غير مذموم، وقد ذكرنا العراء في الصافات.

.تفسير الآية رقم (51):

{وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ (51)}
{وَإِن يَكَادُ الذين كَفَرُواْ لَيُزْلِقُونَكَ} عبارة عن شدة عدواتهم، وإن مخففة من الثقيلة بدليل دخول اللام و{لَيُزْلِقُونَكَ} معناه يهلكونك، كقولك: نظر فلان إلى عدوه نظرة كان يصرعه، وأصله من زلق القدم، وقرأ نافع بفتح الياء والباقون بضمها وهما لغتان وقيل: إن المعنى: يأخذونه بالعين، وكان ذلك في بني إسد كان الرجل منهم يجوع ثلاثة أيام فلا يتكلم على شيء إلا أصابه بالعين، فأراد بعضهم أن يصيب النبي صلى الله عليه وسلم فعصمه الله من ذلك، وقال الحسن: دواء من أصيب بالعين قراءة هذه الآية.

.تفسير الآية رقم (52):

{وَمَا هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ (52)}
{وَمَا هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ} يعني القرآن أو هو موعظة وتذكير للخلق.

.سورة الحاقة:

.تفسير الآيات (1- 8):

{الْحَاقَّةُ (1) مَا الْحَاقَّةُ (2) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحَاقَّةُ (3) كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعَادٌ بِالْقَارِعَةِ (4) فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ (5) وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ (6) سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ (7) فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ (8)}
{الحاقة} هي القيامة ووزنها فاعلة وسميت الحاقة لأنها تحق، أي يصح وجودها، ولا ريب في وقوعها ولأنها حقت لكل أحد جزاء عمله، أو لأنها تبدئ حقائق الأمور {مَا الحآقة} ما استفهامية يراد بها التعظيم، وهي مبتدأ وخبرها ما بعده والجملة خبر الحاقة، وكان الأصل الحاقة ما هي، ثم وضع الظاهر موضع المضمر زيادة في التعظيم والتهويل، وكذلك، {وَمَآ أَدْرَاكَ مَا الحاقة} لفظه استفهام والمراد به التعظيم والتهويل {بالقارعة} هي القيامة سميت بذلك؛ لأنها تقرع القلوب بأهوالها {بالطاغية} يعني الصيحة التي أخذت ثمود، وسميت بذلك لأنها جاوزت الحدّ في الشدة، وقيل: الطاغية مصدر فكأنه قال: أهلكوا بطغيانهم، فهو كقوله: كذبت ثمود بطغواها، وقيل: هي صفة لمحذوف تقديره أهلكوا بسبب الفعلة الطاغية، أو الفئة الطاغية والباء، على هذين القولين سببية، وعلى القول الأول كقولك: قتلت زيداً بالسيف {بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ} ذكر في [فصلت: 16]، وعاتية أي شديدة. وسميت بذلك لأنها عتت على عاد، وقيل: عتت على خزانها، فخرجت بغير إذنهم {سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ} رُوي أنا بدت صبيحة يوم الأربعاء لثمان بقيت من شوال، وتمادت بهم إلى آخر يوم الأربعاء تكلمة الشهر {حُسُوماً} قال ابن عباس: معناه كاملة متتابعة لم يتخللها غير ذلك، وقيل: معناه شؤماً، وقيل: هو جمع حاسم من الحسم. وهو القطع أي قطعتهم بالإهلاك، فحسوماً على القول الأول والثاني مصدر في موضع الحال، وعلى الثالث حال أو مفعول من أجله {فَتَرَى القوم فِيهَا صرعى} جمع صريع وهو المطروح، والضمير المجرور يعود على منازلهم، لأن المعنى يقتضيها وإن لم يتقدم ذكرها، أو على الأيام والليالي، أو على الريح {كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ} تقدم في القمر معنى تشبيههم بأعجاز النخل، والخاوية هي التي خلت من طول بلائها وفسادها {مِّن بَاقِيَةٍ} أي من بقية، وقيل: من فئة باقية وقيل: إنه مصدر بمعنى البقاء.

.تفسير الآيات (9- 11):

{وَجَاءَ فِرْعَوْنُ وَمَنْ قَبْلَهُ وَالْمُؤْتَفِكَاتُ بِالْخَاطِئَةِ (9) فَعَصَوْا رَسُولَ رَبِّهِمْ فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رَابِيَةً (10) إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ (11)}
{وَمَن قَبْلَهُ} يريد من تقدم قبله من الأمم الكافرة، وأقربهم إليه قوم شعيب، والظاهر أنهم المراد لأن عاداً وثمود قد ذكرا، وقوم لوط هم المؤتفكات، وقوم نوح قد أشير إليهم في قوله: {لَمَّا طَغَا المآء حَمَلْنَاكُمْ فِي الجارية}، وقرأ بكسر القاف وفتح الباء ومعناه: جنده وأبتاعه {بِالْخَاطِئَةِ} إما أن يكون مصدراً بمعنى الخطيئة أو صفة لمحذوف تقديره: بالفعلة الخاطئة {فَعَصَوْاْ رَسُولَ رَبِّهِمْ} إن عاد الضمير على فرعون وقومه، فالرسول موسى عليه السلام، وإن عاد على المؤتفكات: فالرسول لوط عليه السلام، وإن عاد على الجميع: فالرسول اسم جنس أو بمعنى الرسالة {رَّابِيَةً} أي عظيمة وهي من قولك: ربا الشيء إذا كثر {طَغَا المآء} عبارة عن كثرته، فيحتمل أن يريد أنه طغى على أهل الأرض، أو على خزانه يعني وقت طوفان نوح عليه السلام {حَمَلْنَاكُمْ فِي الجارية} هي السفينة، فإن أراد سفينة نوح فمعنى {حَمَلْنَاكُمْ} حملنا آباءكم لأن كل من على الأرض من ذرية نوح وأولاده الثلاثة الذين كانوا معه في السفينة، وإن أراد جنس السفن فالخطاب على حقيقته.

.تفسير الآيات (12- 14):

{لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ (12) فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ (13) وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً (14)}
{لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ تَذْكِرَةً} الضمير للفعلة وهي الحمل في السفينة وقيل: للسفينة، فإن أراد جنس السفن: فالمعنى أنها تذكرة بقدرة الله ونعمته لمن ركب أو سمع بها، وإن إراد سفينة نوح فقد قيل: إن الله أبقاها حتى رأى بعض عيدانها أو هذه الأمة {وَتَعِيَهَآ أُذُنٌ وَاعِيَةٌ} الضمير يعود على ما عاد عليه ضمير: لنجعلها، وهذا يقوي أن يكون للفعلة، والأذن الواعية: هي التي تفهم ما تسمع وتحفظه، يقال: وعيت العلم إذا حصلته، ولذلك عبّر بعضهم عنها بأنها التي عقلت عن الله، وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعلي بن أبي طالب: إني دعوت الله أن يجعلها أذنك يا عليّ، قال عليّ: فما نسيت بعد ذلك شيئاً سمعته، قال الزمخشري: إنما قال: أذن واعية، بالتوحيد والتنكير، للدلالة على قلة الوعاة ولتوبيخ الناس بقلة من يعي منهم، وللدلالة على أن الأذن الواحدة إذا عقلت عن الله تعالى فهي المعتبرة عند الله دون غيرها {نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ} يعني نفخة الصور وهي الأولى {فَدُكَّتَا} الضمير للأرض والجبال، ومعنى دكتا بعضها ببعض حتى تندق، وقال الزمخشري: الدك أبلغ من الدق، وقيل؛ معناه بسطت حتى تستوي الأرض والجبال.

.تفسير الآيات (15- 17):

{فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ (15) وَانْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ (16) وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ (17)}
{وَقَعَتِ الواقعة} أي قامت القيامة، وقيل: صخرة بيت المقدس وهذا ضعيف {وَاهِيَةٌ} أي مسترخية ساقطة القوة، ومنه قولهم: دار واهية أي ضعيفة الجدران {والملك على أَرْجَآئِهَآ} الملك هنا اسم جنس والأرجاء الجوانب واحدها رجى مقصور، والضمير يعود على السماء، والمعنى إن الملائكة يكونون يوم القيامة على جوانب السماء، لأنها إذا وهيت وقفوا على أطرافها، وقيل: يعود على الأرض لأن المعنى يقتضيه، وإن لم يتقدم ذكرها، ورُوي في ذلك أن الله يأمر الملائكة فتقف صفوفاً على جوانب الأرض. والأول أظهر وأشهر {وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ} قال ابن عباس: هي ثمانية صفوف من الملائكة لا يعلم أحد عدّتهم. وقيل: ثمانية أملاك رؤوسهم تحت العرش وأرجلهم تحت الأرض السابعة، ويؤيد هذا ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: هم اليوم أربعة، فإذا كان يوم القيامة قوَّاهم الله بأربعة سواهم.

.تفسير الآيات (18- 24):

{يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ (18) فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ (19) إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ (20) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ (21) فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ (22) قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ (23) كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ (24)}
{يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ} خطاب لجميع العالم، والعرض: البعث أو الحساب {خَافِيَةٌ} أي حال خافية من الأَمال والسرائر، ويحتمل المعنى لا يخفى من أجسادهم لأنهم يحشرون حفاة عراة {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ} الكتاب هنا صحائف الأعمال {فَيَقُولُ هَآؤُمُ اقرؤا كِتَابيَهْ} هاؤم أسم فعل، قال ابن عطية: معناه تعالوا وقال الزمخشري: هو صوت يفهم منه معنى خذ، وكتابيه مفعول يطلبه هاؤم واقرؤوا من ضمير المعنى، تقديره هاؤم كتاب اقرؤا كتابي ثم حذف لدلالة الآخر عليه وعمل فيه العامل، الثاني: وهو اقرأوا عند البصريين، والعامل الأول هو هاؤم عند الكوفيين، والدليل على صحة قول البصريين أنه لو عمل الأول لقال اقرؤوه، والهاء على كتابيه للوقف، وكذلك في حسابية وماليه وسلطانية، وكان الأصل أن تسقط في الوصل لكنها ثبتت فيه مراعاة لخط المصحف وقد أسقطها في الوصف حمزة، ومعنى الآية: أن العبد الذي يعطى كتابه بيمينه يقول للناس: اقرأوا كتابيه على وجه الاستبشار والسرور بكتابه {إِنِّي ظَنَنتُ} الظن هنا بمعنى اليقين {رَّاضِيَةٍ} أي ذات رضا كقولهم: تامر لصاحب التمر. قال ابن عطية: ليست بياء اسم فاعل، وقال الزمخشري: يجوز أن يكون اسم فاعل نسب الفعل إليها مجازاً وهو لصاحبها حقيقة {قُطُوفُهَا} جمع قطف وهو ما يجتنى من الثمار ويقطف كالعنقود {دَانِيَةٌ} أي قريبة، وروي أن العبد يأخذها بفمه من شجرها، على أي حال كان من قيام أو جلوس أو اضطجاع {أَسْلَفْتُمْ} أي قدمتم من الأعمال الصالحة {فِي الأيام الخالية} أي الماضية يعني أيام الدنيا.

.تفسير الآيات (25- 29):

{وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ (25) وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ (26) يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ (27) مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ (28) هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ (29)}
{وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ} هم الكفار بدليل قوله: {إِنَّهُ كَانَ لاَ يُؤْمِنُ بالله العظيم} [الحاقة: 33] فجعل علة إعطائهم كتبهم بشمالهم عدم إيمانهم، وأما المؤمنون فيعطون كتبهم بأيمانهم، لكن اختلف فيمن يدخل النار منهم، هل يعطى كتابه قبل دخول النار أو بعد خروجه منها؟ وهذا أرجح لقوله: {هَآؤُمُ اقرؤا كِتَابيَهْ} [الحاقة: 19]، لأن هذا كلام سرور فيبعد أن يقوله من يحمل إلى النار {فَيَقُولُ ياليتني لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ} أي يتمنى أنه لم يعط كتابه، وقال ابن عطية: يتمنى أن يكون معدوماً لا يجري عليه شيء والأول أظهر {ياليتها كَانَتِ القاضية} أي ليت الموتة الأولى كانت القاضية بحيث لا يكون بعدها بعث ولا إحياء {مَآ أغنى عَنِّي مَالِيَهْ} يحتمل أن يكون نفياً، أو استفهاماً يراد به النفي {هَّلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ} أي زال عني ملكي وقدرتي وقيل: ذهبت عني حجتي.

.تفسير الآيات (30- 37):

{خُذُوهُ فَغُلُّوهُ (30) ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ (31) ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ (32) إِنَّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ (33) وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ (34) فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَاهُنَا حَمِيمٌ (35) وَلَا طَعَامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ (36) لَا يَأْكُلُهُ إِلَّا الْخَاطِئُونَ (37)}
{خُذُوهُ فَغُلُّوهُ} خطاب للزبانية يقوله لهم الله تعالى أو الملائكة بأمر الله {فَغُلُّوهُ} أي اجعلوا غلاً في عنقه؛ وروي أنها نزلت في أبي جهل {ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعاً} معنى ذرعها أي طولها، واختلف في هذا الذراع فقيل: إنه الذراع المعروف، وقيل: بذراع الملك، وقيل: في الذراع سبعون باعاً، كل باع ما بين مكة والكوفة، ولله در الحسن البصري في قوله: الله أعلم بأي ذراع هي، وجعلها سبعين ذراعاً لإرادة وصفها بالطول، فإن السبعين من الأعداد التي تقصد بها العرب التكثير، ويحتمل أن تكون هذه السلسلة لكل واحد من أهل النار، أو تكون بين جميعهم وقد حكى الثعلبي ذلك {فَاسْلُكُوهُ} أي أدخلوه، روي أنها تلتوي عليه حتى تعمه وتضغطه، فالكلام على هذا على وجهه وهو المسلوك فيها، وإنما قدم قوله: في سلسلة، على اسلكوه، لإرادة الحصر، أي لا تسلكوه إلا في هذه السلسلة وكذلك قدّم الحميم، على صلّوه، لإرادة الحصر أيضاً {طَعَامِ المسكين} يحتمل أنه أراد إطعام مسكين، فوضع الاسم موضع المضمر، أو يقدر: لا يحض على بذل طعام المسكين، وأضاف الطعام إلى المسكين؛ لأن له إليه نسبة، ووصفه بأنه لا يحض على طعام المسكين يدل على أنه لا يطعمه من باب أولى، وهذه الآية تدل على عظم الصدقة وفضلها، لأنه قرن من طعام المسكين بالكفر بالله {فَلَيْسَ لَهُ اليوم هَا هُنَا حَمِيمٌ} فيه قولان: أحدهما ليس له صديق، والآخر: ليس له شراب {وَلاَ طَعَامٌ إِلاَّ مِنْ غِسْلِينٍ} فإن الحميم الماء الحار، والغسلين صديد أهل النار عند ابن عباس. وقيل: شجر يأكله أهل النار، وقال اللغويون: هو ما يجري من الجراح إذا غسلت وهو فِعْلين من الغسل {الخاطئون} جمع خاطئ وهو الذي يفعل ضد الصواب متعمّداً، والمخطئ الذي يفعله بغير تعمد.

.تفسير الآيات (38- 41):

{فَلَا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ (38) وَمَا لَا تُبْصِرُونَ (39) إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (40) وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ (41)}
{فَلاَ أُقْسِمُ} لا زائدة غير نافية {بِمَا تُبْصِرُونَ * وَمَا لاَ تُبْصِرُونَ} يعني جميع الأشياء لأنها تنقسم إلى ما يبصر وما لا يبصر، كالدنيا والآخرة والإنس والجن والأجسام والأرواح وغير ذلك {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ} هذا جواب القسم، والضمير للقرآن، والرسول الكريم جبريل، وقيل: لمحمد عليه الصلاة والسلام {قَلِيلاً مَّا تُؤْمِنُونَ} قال ابن عطية: يحتمل أن تكون ما نافية، فنفى إيمانهم بالجملة أو تكون مصدرية فوصف إيمانهم بالقلة، وقال الزمخشري: القلة هنا بمعنى العدم، أي لا تؤمنون ولا تذكرون البتة.

.تفسير الآيات (44- 51):

{وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ (44) لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (45) ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ (46) فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ (47) وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِلْمُتَّقِينَ (48) وَإِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنْكُمْ مُكَذِّبِينَ (49) وَإِنَّهُ لَحَسْرَةٌ عَلَى الْكَافِرِينَ (50) وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ (51)}
{وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأقاويل} التقوّل هو أن ينسب إلى أحد ما لم يقل، ومعنى الآية: لو تقوّل علينا محمد لعاقبناه، ففي ذلك برهان على أن القرآن من عند الله {لأَخَذْنَا مِنْهُ باليمين} قال ابن عباس: هنا القوة ومعناه: لو تقوّل علينا لأخذناه بقوتنا وقيل: هي عبارة عن الهوان كما يقال لمن يسجن: أخذ بيده وبيمينه، قال الزمخشري: معناه لو تقوّل علينا لقتلناه، ثم صور صورة القتل ليكون أهول، وعبر عن ذلك بقوله: لأخذنا منه باليمين، لأن السيَّاف إذا أراد أن يضرب المقتول في جسده أخذ بيده اليمنى ليكون ذلك أشد عليه لنظره إلى السيف {الوتين} نياط القلب، وهو عرق إذا قطع مات صاحبه، فالمعنى لقتلناه {فَمَا مِنكُمْ مِّنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ} الحاجز المانع، والمعنى: لو عاقبنا لم يمنعه أحد منكم ولم يدفع عنه وإنما جمع {حاجزين}، لأن {أحد} في معنى الجماعة {وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ} الضمير للقرآن، وقيل: لمحمد صلى الله عليه وسلم، والأولى أظهر {وَإِنَّهُ لَحَسْرَةٌ عَلَى الكافرين} أي حسرة عليهم في الآخرة، لأنهم يتأسفون إذا رأوا ثوب المؤمنين {وَإِنَّهُ لَحَقُّ اليقين} قال الكوفيون هذا من إضافة الشيء إلى نفسه، كقولك: مسجد الجامع، وقال الزمخشري: المعنى: عين اليقين ومحض اليقين، وقال ابن عطية: ذهب الحذاق إلى أن الحق مضاف إلى الأبلغ من وجوهه.